الأحد، 22 سبتمبر 2019

الدروس المستفادة من التجربة السنغافورية

الدروس المستفادة من التجربة السنغافورية

 الدرس الأول : منهج تدريجي قائم على الأدلة والبراهين ؛ حيث تقوم دول أخرى في كثير من الأحيان بسن إصلاحات مجزأة وغير منسقة ومتسقة  ، تحاول سنغافورة النظر إلى النظام ككل. تستثمر بكثافة في البحوث التعليمية. يتم اختبار جميع الإصلاحات ، مع رصد النتائج بدقة ، قبل نشرها. يتم الاهتمام عن كثب بكيفية تطبيق الأفكار والنتائج الجديدة في المدارس. تستخدم الكتب المدرسية وأوراق العمل والأمثلة التي تم تطويرها بعناية - الممارسات التي غالباً ما تعتبر قديمة في الغرب - لضخ الخبرة في الفصل. والنتيجة هي التوافق الجيد بين التقييمات والمساءلة وأساليب التدريس.
الدرس الثاني: هو تبني مقاربة سنغافورة المتميزة في التدريس ، خاصة الرياضيات - كما تفعل أمريكا وإنجلترا بالفعل إلى حد ما. إنه يركز على منهج أضيق ولكنه أعمق ، ويسعى إلى ضمان تقدم الفصل بأكمله من خلال المنهج. يحصل التلاميذ الذين يعانون من مشكلات على جلسات إضافية إلزامية لمساعدتهم على الاستمرار ؛ حتى الطلاب الأقل قدرة ، يؤدون المهام بشكل جيد نسبيا. وجد تحليل في عام 2016 في إنجلترا أن النهج السنغافوري عزز النتائج . 
الدرس الثالث والأهم هو: التركيز على تطوير معلمين متميزين. في سنغافورة ، يحصلون على 100 ساعة من التدريب سنويًا لمواكبة أحدث التقنيات. الحكومة تدفع لهم بشكل جيد ، أيضا. تقبل الحاجة إلى فصول أكبر (المتوسط هو 36 تلميذاً ، مقارنة بـ 24 تلميذًا في OECD). من الأفضل ، إذن ، أن يذهب التفكير إلى أن يكون هناك فصول كبيرة تدرس من قبل معلمين ممتازين مقارنة بالفصول الأصغر التي يتم تدريسها من قبل معلمين متواضعي المستوى . يمكن للمعلمين الذين يريدون المزيد من الترقي والشهرة والتقدير  ولكن بعيدا عن العبيء  البيروقراطي في إدارة المدارس أن يصبحوا "معلمين خبراء" ، مع مسؤولية تدريب أقرانهم. يحصل أفضل المعلمين على وظائف في وزارة التعليم ومكافآت ضخمة : بشكل عام ، يتقاضى المعلمون أجورا مقاربة لزملائهم في مهن القطاع الخاص. يخضع المعلمون أيضًا لتقييم دقيق للأداء السنوي.

https://amp.economist.com/leaders/2018/08/30/what-other-countries-can-learn-from-singapores-schools?__twitter_impression=true

السبت، 21 سبتمبر 2019

صناعة القهوة وصناعة التعليم


صناعة القهوة وصناعة التعليم

بقلم : شاكر الشريف 

اعتدت أن أحتسي قهوتي المحببة في أحد سلاسل المقاهي المنتشرة في مدينتي الجميلة الرياض .
تناول القهوة في أحد مقاهي تلك السلسلة تجربة غنية وثرية يتم فيها تقديم القهوة بنفس نكهتها وطعمها المحبب وجودة مكوناتها في كل مواقع السلسلة وفِي نفس البيئة الجاذبة ومن خلال خدمة تتميز بالمهنية والاحتراف ولكن ولأسباب مختلفة أضطر أحيانا لاحتساء قهوتي في عدد من مقاهي سلسلة أخري من سلاسل المقاهي المنتشرة وسرعان ما اكتشف الفرق : هناك تباين واضح في تقديم الخدمة بين مقاهي السلسلة باختلاف المواقع .  تباين في البيئة والتصميم وفِي طريقة التقديم ومهنية واحتراف العاملين ثم أخيرا في نوعية وطعم ونكهة المنتج الذي يحمل نفس المسمى في كل المقاهي. وطالما طرحت على نفسي السؤال التالي : ترا ما السبب في كل هذا التباين والاختلاف في تقديم الخدمة و جودة المنتج بين مقاهي السلسلة الأخيرة والاتساق في تقديم الخدمة وجودة المنتج بين مقاهي السلسلة الأولى.  
لن يطول بك عناء حتى تدرك أن السبب وراء ذلك كله هو وجود معايير دقيقة وواضحة ومتسقة ومنشورة يتم فحص تطبيقها والالتزام بها تنتظم كل مكونات الخدمة من البيئة الجاذبة وطريقة التقديم وأسلوب التعامل مع الزبائن وجودة المنتج وسلاسل الإمداد البشري والمادي والنظام الذي يحتضن ذلك كله وفِي  كل المواقع وفِي كل الأوقات بدون تمييز بناء على الوضع الاقتصادي الاجتماعي أو الموقع الجغرافي.
هذا يجرنا لقضيتنا الأهم؛ التعليم. لابد من موائمة معايير واعتمادها على كل مستويات النظام التعليمي يمكن من خلالها تقديم التعليم النوعي للجميع ..  هذه المعايير تصبح أساسا للجودة والاستدامة وتصبح أساسا للحوكمة والمحاسبية .. وتصبح أساسا للتطوير والتحسين
هذه الحزمة من المعايير تنتظم المحتوى والتدريس والمنهج  والتقويم و اختيار المعلمين وبرامج تطويرهم وفوق ذلك كله معايير للنظام التعليمي الداعم والميسر والمسهل لتقديم تعليم نوعي توزع فيه فرص التعلم الغنية والثرية بالتساوي وفي بيئة جاذبة ومحفزة عبر طيف النظام التعليمي في كل مواقع تقديم الخدمة التعليمية باتساع الجغرافيا والتنوع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وفِي إطار من الشفافية والوضوح ..
الاختلاف والتباين في تقديم الخدمة وطريقة الحكم على جودتها وبالتالي التباين الشديد في جودة مخرجاتها يعكس خللا جوهريا  في النظام التعليمي ككل ..
يتميز النظام التعليمي الفنلندي بميزة مهمة قلما يتفطن لها الذين يقفون عليه لاستجلاء تجربته والاستفادة منها
ألغت فنلندا تقسيم الطلاب إلى مسارات حسب قدراتهم عام ١٩٨٠م .. فنلندا هي صاحبة أقل فجوة في الأداء بين طلاب الفصل الواحد وطلاب المدرسة الواحدة والمدارس المتعددة في المنطقة وطلاب المناطق المختلفة في الدولة وهذه الميزة تعكس المقاربة النظمية للتطوير ..
لابد من تطوير  مقياس معتمد لفحص التباين في تقديم الخدمة التعليمية بين كل مدرسة وأخرى ومنطقة وأخرى .. يشبه مقياس جيني ( Gini index ).
الاختبارات واسعة النطاق ضرورية لقياس الفجوة في الأداء بين الطلاب في كل المدارس وكل المناطق ..

بدون اختبارات واسعة النطاق لن يكون هناك فحص موثوق ومعتمد وصادق وعادل لأداء الطلاب عبر النظام التعليمي ككل وتصبح كل المقاربات والتدخلات لإصلاح التعليم غير ذات جدوى ويصبح متخذ القرار التعليمي كمن يحرث في البحر

تصبح بعض النقاط خلال السلم التعليمي نقاطا للتفقد يمكن للمخطط ومتخذ القرار التعليمي أن يستشعر مدى نجاعة وفعالية المقاربات والتدخلات التطويرية .. 

يتبقى هناك نقطة وحيدة ومهمة جدا ليؤتي التغيير والتطوير أكله ألا وهي الشفافية ..

كيف نضمن تدفق البيانات الصحيحة والصادقة والشفافة عن حال التعليم في كل وقت عن كل المواقع إلى متخذ القرار ..ثم كيف نطور نموذجا فعالا ودقيقا لقراءة هذه البيانات وتفسيرها بدون تحيز ..

أظن أن حجر الزاوية في ذلك هو انتشار ثقافة الشفافية والصدق والصراحة خلال النظام .. انتشار ثقافة  التعتيم وعدم الإفصاح لكسب رضى المسؤول تضع العصى في دولاب عجلة التطوير وتتسبب في انقلاب مركبته ..

وهكذا فإن ‏المعايير تقود التقويم والتقويم يقود التدريس والتدريس يقود التعلم وكل ذلك ينبغي أن يكون في إطار من الشفافية والإفصاح والمقاربة النظمية .

تعليم نوعي للجميع ..

الخميس، 19 سبتمبر 2019

ملخص تقرير التعليم في لمحة مترجما من تقرير منظمة OECD 2019

ملخص تقرير التعليم في لمحة 
مترجما من تقرير منظمة OECD 2019

بينما يبدأ الطلاب في نصف الكرة الشمالي عامًا دراسيًا جديدًا هذا الشهر - يعتري الكثير منهم مزيجًا من الإثارة والقلق  - يجب ألا ننسى أن مستقبلهم ، وبالتالي ، مستقبلنا ، سيتوقف على القرارات السياسية التي يتم اتخاذها اليوم. بالنسبة لواضعي السياسات ، إذن ، ينبغي أن يكون بداية العام الدراسي وقتًا للتفكير في ما يؤثر على التعلم الفعال خلال رحلة الفرد التعليمية ، من الطفولة المبكرة إلى حياة الكبار. سيشكل نظام التعليم اليوم مجتمع الغد: دعونا لا نهدر بدايات جديدة.

1. المشاركة في التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة آخذة في الارتفاع ، لكنها لا تزال منخفضة في العديد من البلدان للأطفال دون سن 3 سنوات.
2. زاد الإنفاق على التعليم الابتدائي والثانوي وما بعد الثانوي على مدى العقد الماضي على الرغم من انخفاض عدد الطلاب. ومع ذلك ، اعتبارًا من عام 2018 ، لم يكن 15٪ من الشباب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يحملون تعليمًا ثانويًا.
3. على الرغم من حصول عدد أكبر من البالغين على التعليم العالي ، فإن عدد النساء يفوق عدد الرجال أكثر من أي وقت مضى.
4. قد تعاني القطاعات المرتفعة الطلب للعثور على المهارات التي تحتاجها. في المتوسط: 14 ٪ فقط من خريجي التعليم العالي في تخصص الهندسة والتصنيع والبناء في عام 2017 ، وفقط 4 ٪ في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. في المقابل ، حصل أكثر من 40 ٪ من خريجي التعليم العالي على شهادة في إدارة الأعمال والقانون والفنون والعلوم الإنسانية ، أو العلوم الاجتماعية.
5. عدد المقبلين والمنخرطين في مهنة التعليم قليل وفِي انحدار . المعلمون هم العمود الفقري لكل نظام تعليمي ، ولكن تحول التركيبة السكانية والتصورات حول ظروف العمل قد أثار مخاوف من نقص المعلمين في المستقبل. في معظم بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ، تعد حصة المعلمين في المدارس الابتدائية والثانوية بين الفئات الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و 59 عامًا أكبر من الحصة من الفئات الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 عامًا.


الثلاثاء، 13 أغسطس 2019

الهجوم الصوتي في كوبا على البعثة الأمريكية هل هو حقيقة أم مجرد خيال أنتجته عقلية المؤامرة .. الأبحاث تقول أن وراء الأكمة ماوراءها ترجمتي لمقال عن الموضوع في مجلة فوربس للكاتبة نينا شابيرو


في خريف عام 2016 ، قدم أكثر من 20 شخصًا يعملون كدبلوماسيين في هافانا ، كوبا، شكاوى من فقدان السمع ، والدوخة ، والرنين في الأذنين (طنين الأذن) ، وآلام الأذن والضغط وتغيرات في القدرات الإدراكية . السبب غير واضح ، لكن البعض اعتبر الحادث مرتبطًا ب (هجمة) صوتية موجهة تسبب أعراضًا متعلقة بالأذن الداخلية. تمكن الضحايا في البداية من الإبلاغ عن صوت منفصل يأتي من اتجاه معين ، يليه بعد ذلك أعراض الأذن الداخلية ، وكذلك الصداع والتغيرات الإدراكية. لم يتم تحديد مصدر فوري ، على الرغم من أن المخاوف من الهجمات الموجهة التي تسبب أمراضا حادة قد أثيرت بعد وقت قصير من الإبلاغ عن الأعراض. اعتقد الكثيرون أنها كانت نفسية بحتة ، حيث لم يكن هناك دليل مادي واضح على الضرر أو المصدر. في عام 2018 ، تحقق الباحثون في جامعة ميتشيغان من فكرة دمج مصدرين من الموجات فوق الصوتية لإنشاء موجات فوق صوتية  ، شديدة القوة  يمكن أن يصل تأثيرها كتأثير صوت محرك نفاث. عزت مجموعة ميتشيغان ما حدث في كوبا إلى تركيبة معينة من الموجات الصوتية عالية الشدة مركزة وموجهة  باتجاه  معين ، مما أدى إلى ظهور الأعراض بعد فترة وجيزة. استمرت المخاوف بشأن الهجمات الصوتية ، والتي تم إغلاق ملفها بسرعة والتكتم عليها من قبل كل من الحكومة الكوبية والوكالات الأمريكية.
ولكن حتى مع تطور النظريات المتعلقة بمصدر محتمل للصدمة الصوتية ، فإن المصدر الدقيق والآلية والآثار المحتملة لم تتضح بعد. 
قامت دراسة حديثة بتحليل تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي للعاملين الذين يعانون من هذه الظاهرة حتى الآن.  ظاهرة الصدمة الصوتية  غير معروفة المصدر . ظهرت هذه الدراسة في عدد يوليو 2019 من مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA) ، في دراسة لأربعين صورة للدماغ  بجهاز الرنين المغناطيسي لموظفي الحكومة الأمريكية المشتبه في  تعرضهم للإصابة الصوتية أثناء وجودهم في كوبا ومقارنتهم بـ 48 عنصر (مجموعة  ضابطة)  ، لم يكن لديهم أي تاريخ للتعرض أو الأعراض. كان هناك انخفاضاً إحصائيًا في المادة البيضاء في المخ في أدمغة الموظفين الحكوميين مقارنةً بالمجموعة الضابطة، وليس هناك فرق كبير بين المجموعتين في حجم المادة الرمادية في الدماغ. كان يُعتقد سابقًا أن المادة البيضاء ، التي تكون ما يصل إلى نصف الدماغ البشري ، ليس لها أي تأثير على الإدراك والتعلم. ومع ذلك ، تظهر بعض الدراسات أن التغييرات في المادة البيضاء تُرى بعد تنفيذ مهام تعلم تجريبية .. أي أن لها تأثيرا على القدرات المعرفية بحسب بعض التجارب . المادة الرمادية ، التي لم يتم العثور فيها على أي اختلافات في مجموعة التجربة مقارنة بالمجموعة الضابطة ، من المعروف أنها أكثر أهمية بالنسبة للإدراك كدالة في الحبل الشوكي ، لأنها تحتوي على عصبونات ومشابك عصبية ، تعمل الأخيرة على تمكين الاتصالات العصبية من خلية عصبية واحدة إلى التالية.
uncaptioned



من الجدير بالذكر أيضًا في هذه الدراسة الحديثة انخفاض التواصل بين الشبكات السمعية (الأذن الداخلية) في عمليات مسح الدماغ لموظفي الحكومة المشتبه بإصابتهم . كانت هناك أيضًا اختلافات في جزء من الدماغ يُطلق عليه المخيخ ، وهو المسؤول عن التوازن والإتزان. وبينما لا تظهر الصور أي دليل على حدوث تغيرات في الدماغ مماثلة لتلك التي تحدث عقب الصدمة الارتجاجية ، فإن العديد من الأعراض ، مثل الصداع والتغيرات الإدراكية ، كانت مماثلة لتلك التي شوهدت بعد الارتجاج. لم تكن هناك دراسات سابقة تثبت أن صدمة الصوت ( الضوضاء)  بحد ذاتها يمكن أن تسبب إصابة الدماغ.
بالرغم من أن الحكومة الكوبية نفت بشدة أن هناك هجمات صوتية مقصودة وموجهة ، إلا أن الأطباء وأولئك الذين يعانون من التغيرات العصبية ، التي تم تأكيدها الآن على الصور الإشعاعية ، ما زالوا في حيرة بشأن آلية وآثار هذه العمليات.

الاثنين، 28 يناير 2019

لماذا نحتاج إلى مشاريع كبرى لإحداث تحولات كبرى في الإبداع والابتكار والتقنية والمعرفة العلمية ..

قد يستغرب البعض حجم الإنفاق الضخم على المشاريع العلمية في الغرب وبعض دول الشرق مثل روسيا واليابان والصين بل وحتى باكستان التي صنعت مشروعها الكبير (القنبلة النووية الإسلامية ) ..  ويتسائلون ؛ هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟ وهذه الميزانيات؟  بدءاً بمشروع منهاتن لصناعة القنبلة النووية ومروراً بمشروع سبوتنك ومشروع أبوللو و مشروع سيرن الضخم وانتهاء بمشروع استكشاف المريخ الذي كان آخر أدواته مسبار إنسايت الذي هبط على المريخ قبل أكثر من شهر في الوقت الذي تخطط فيه الصين لإنشاء معجل أكبر بثلاث مرات من معجل سيرن وأرسال مركبات مأهولة للمريخ  ينفق الغرب والدول المتقدمة بسخاء على المشاريع العلمية الاستكشافية الكبرى  .. 
ليكون لدينا تصور عن حجم هذا الإنفاق يكفي أن نعلم أن الميزانية السنوية لمعجل سيرن مليار دولار  وأن تكلفة تجربة اكتشاف الهيجز بوزون بلغت أكثر من ١٣,٥مليار دولار بدأ من عام ٢٠٠٨ حين بدأ تشغيل معجل الهيدرونات الكبير وتوقفه للإصلاح في عام ٢٠٠٩ وحتى ٢٠١٢ حين تم اكتشاف الهيجز بوزون بحسب مجلة فوربس 
بينما يرى آخرون أن التكلفة الإجمالية  للبناء والتصميم والمصاريف التشغيلية من بدايته كفكرة حتى أصبح حقيقة واقعة قد تربو على ٥٠ مليار دولار تتحمل ألمانيا القسط الأعظم من هذه التكاليف الذي قد يصل إلى ٧٠٪؜ .. في الوقت الذي تستعد أوروبا لتوسيع المصادم الكبير ليبلغ ثلاثة أمثال طوله الحالي البالغ ٢٧ كيلو مترا  في ما بات يعرف بتجربة القرن FCC (مصادم المستقبل الدائري) .
Image result for cern
يعمل في سيرن حاليا حوالي عشرة آلاف بين عالم ومهندس وإداري ثلاثة آلاف منهم موظفون ثابتون تتحمل تكاليفهم منظمة سيرن  أما البقية فتتكفل برواتبهم مؤسسات أو جامعات خارج سيرن وكثير منهم طلبة دكتوراة وباحثون غير متفرغين وطلبة ما بعد الدكتوراة من كثير من دول العالم .. 
في October 4, 1957  تناقلت وكالات الأنباء خبرا كان كوقع الصاعقة على الشعب الأمريكي يحكي نجاح الاتحاد السوفيتي في إطلاق أول قمر صناعي (سبوتنيك ) للفضاء الخارجي  وبعدها بمدة قصيرة ، إرسال أول مركبة مأهولة للفضاء الخارجي .. 
أشعل هذا الحدث روح المنافسة والتحدي بل والخوف الأمريكي من قدرة الاتحاد السوفييتي على امتلاك تقنية الصواريخ بعيدة المدى التي يمكن أن تحمل رؤوسا نووية تستهدف الأراضي الأمريكية مما أعطى قوة دافعة للأصوات التي كانت تنادي بإصلاح جذري للتعليم الأمريكي في مجالات العلوم والرياضيات والهندسة 
بدأت عدة مشروعات ضخمة  وأنشئت وكالة للفضاء في July 29, 1958 وبدأت معها مشاريع كبرى طموحة لغزو الفضاء الخارجي وإنزال أول إنسان على سطح القمر  وفِي نفس الوقت بدأت عمليات إصلاح كبرى للتعليم والاهتمام بتطوير تعليم وتعلم الرياضيات والعلوم والهندسة
تراوحت نسبة ميزانية وكالة ناسا من الميزانية الفيدرالية من 0.1 % حين إنشائها إلى4.41% من الميزانية الأمريكية في ذروة مشروع أبوللو  وانخفضت النسبة مع السنوات حتى أصبحت أقل من 1% بحيث أصبحت الميزانية المقدرة لوكالة ناسا 20.736 مليار دولار  في العام 2018 خصما من ميزانية فيدرالية حجمها تقريبا 4 ترليون دولار ويبلغ ماتم صرفة على وكالة الفضاء الأمريكية منذ إنشائها أكثر من601 مليار دولار أي ما يعادل 2.25 ترليون ريال .. 
تستدعي أمريكا هذه المشاريع الكبرى كلما شعرت بضعف نظامها التعليمي في مواجهة منافسة متجددة وقوية من دول وبلدان أخرى مثل الصين وروسيا أو ظهور منافسين جدد ..وضغوط متطلبات الفوز في سباق التنافسية الشرس .. 
في عام ٢٠٠٧ صدر التقرير العلمي الرئاسي " فوق هام العواصف "  "Rising Above the Gathering Storm: Energizing and Employing America for a Brighter Economic Future " 
عن عن حال العلوم والتقنية في أمريكا ووضع التقرير أجندة واستراتيجية وطنية لمستقبل اقتصادي مشرق  والذي شارك في إعداده عدد من كبار العلماء والحائزين على جائزة نوبل وخبراء ورؤساء بعض الجامعات الشهيرة والرؤساء التنفيذيين لشركات صناعية وتقنية كبرى  .. 
وكان من أهم توصياته : المناداة بمشروع تحدي بمستوى رئاسي  يعيد بث روح جديدة ويوجه الطاقات والموارد ويشعل الخيال الوطني  مثل مشروع أبولو أو سبوتنيك أو مشروع منهاتن جديد .. 
حتى باكستان التي أشعل تفجير الهند لقنبلتها النووية فتيل الحماس الوطني والإبداع والابتكار والذي ينفخ في أواره ويبقي جذوة ناره متقدة الشعور بالتهديد حتى أصبحت سادس أكبر قوة نووية في العالم وأحد الدول التي لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة التي تصنع صواريخ كروز التي يمكن اطلاقها من غواصات تحت البحر .. 
حشد القدرات والطاقات حول المشاريع الكبرى له فوائد لا تعد ولا تحصى .. 
ومن ذلك بناء القدرات العلمية الوطنية فتلاميذ عبد السلام عالم الفيزياء الشهير
Image result for salam pic physics cern

 والذين كانو النواة الصلبة لمشروع باكستان النووي الذي قاد فتوحات علمية وتقنية من أمثال رياض الدين وفياض الدين ومسعود أحمد وغيرهم أصبحوا من أشهر العلماء على مستوى العالم .. 
هذه المشروعات لا تحقق هدفها الأساسي فقط ولكنها تجر وراءها جيشا من الفوائد والإنجازات المتوقعة بل وغير المتوقعة .. 
كم هي المخترعات والأفكار والأبحاث والمعرفة العلمية في طيف متنوع من المجالات  مثل الطب والهندسة والعلوم والتقنيات المتقدمة التي نتجت عن مشروع أبوللو أومشروع سيرن أو مشروع سبوتنيك أو مشروع توكاماك أو غيرها من المشاريع الكبرى .. 
كم نحن بحاجة لمثل هذه المشاريع التي تحتشد حولها الطاقات ويتم من خلالها بناء القدرات المتقدمة وتكون بمثابة تفاعل انشطار يولد العلم والمعرفة الصلبة والتقنيات المتقدمة .. ولنا في غيرنا عبرة وآية