الاثنين، 3 ديسمبر 2018

قوة التعلم الذاتي

قوة التعلم الذاتي
كثيرون سمعوا عن الهيجز بوزون والعاصفة الإعلامية العالمية التي هبت حين اكتشافه ورصده في معجل الهيدرونات الكبير في سيرن عام ٢٠١٢م .. وعاد إلى الواجهة حينها عالم الفيزياء هيجز ورفيقه كأول من افترضا وجود هذا الجسيم نظريا .
لكن قليلون هم من يعرفون إلى من يعود مسمى بوزون ولعل الجميع يفترض أنه عالم أوروبي من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء . الحقيقة أن هذا المسمى لعالم هندي من قرية من بلاد البنغال ( بنغلاديش الآن ) اسمه الكامل Satyendra Nath Bose ناتيندرا ناث بوز .
ولد بوز في كلكتا من بلاد البنغال عام ١٨٩٤ م لأسرة متوسطة الحال يعمل عائلها محاسبا في الخطوط الحديدية الشرقية وهو أب لسبعة، عالمنا هو أكبرهم والذكر الوحيد فيهم .. اهتم والده بتعليمه وتنمية حب التعلم الذاتي لديه وكان كلما أراد الخروج من المنزل يودع لديه عددا من مسائل الرياضيات لحلها ريثما يعود من العمل .. درس المرحلة الثانوية والجامعية وبرز ونبغ بين أقرانه خصوصا قدراته في الرياضيات المتقدمة . كما كان متعلما نهما لأفرع اخرى من العلوم وعلى رأسها الفيزياء حصل على الماجستير وأصبح محاضرا في الجامعة وقد كانت شهرة آينشتاين في ذلك الوقت ونظريته النسبية قد طبقت الآفاق. تواصل معه بوز واستأذنه في ترجمة أبحاثه عن النسبية العامة وميكانيكا الكم. في ذلك الوقت كانت هذه الأبحاث التي غيرت وجه الفيزياء مجرد أبحاث في المجلات العلمية ولَم تجد طريقها بعد إلى كتب الدراسات الجامعية وكان ينبغي للاطلاع على أبحاث بور وآينشتاين وماكس بلانك أن تحصل على الدوريات العلمية التي تنشر هذه الأبحاث . لكن و للفورة الوطنية التي كانت تعم الهند سعيا للاستقلال عن البريطانيين وعدم الاستقرار الذي اكتنف تلك الفترة لم يكن الوصول لهذه الدوريات والأبحاث سهلا. لكن رجلا واحدا هو السير أستوش موكريجي Sir Asutosh Mookerji والذي كان يعمل نائبا لمدير الجامعة ، وكان معجبا بشغف وإصرار بوز على التعلم،  حرص على توفير هذه الدوريات العلمية لتكون في متناول يده واستمر بوز في تدريس الفيزياء والإشراف على الطلاب الدارسين للدراسات العليا والمطالعة الكثيفة للأبحاث المستجدة والساخنة لأساطين الفيزياء في ذلك الوقت ..كانت قد مضت أعوام على نظرية بلانك عن تكمية الضوء وأن الضوء يحمل خاصية مزدوجة وليس فقط خاصية موجية لكن بوز ومن خلال بحثة توصل أن توزيع ماكسويل بولتزمان Maxwell-Boltzmann لا يصلح للتطبيق على الفوتونات وكتب مقالة علمية يشتق فيها قانون بلانك بدون الرجوع إلى الميكانيكا الكلاسيكية
أرسل المقال إلى مجلة علمية شهيرة ولكن الرد جاء بالرفض ..
أرسل المقال نفسه إلى آينشتاين يأخذ رأيه فيه . اندهش آينشتاين من المقال العلمي ورأى أنه يشكل اختراقا في علم الفيزياء ويشرع الأبواب لعلم جديد: الميكانيكا الإحصائية..
استأذن آينشتاين بوز في ترجمة المقال إلى الألمانية ونشره في مجلة الفيزياء الألمانية الشهيرة والتي ينشر أبحاثه فيها Zeitschrift für Physik..
بعد نشر المقالة العلمية وإشادة آينشتاين بها بدأ المجتمع العلمي يلتفت إلى القادم الجديد من بلاد البنغال.
طور بوز و آينشتاين ما يعرف بإحصاء بوز_ آينشتاين ومن ثم ما يعرف بتكاثف بوز آينشتاين وبدأت الدعوات تنهال عليه لزيارة ألمانيا وأوروبا .
قضى عامين في أوروبا عمل فيها مع آينشتاين وديبرولي ومدام كوري ، ونشر العديد من الأبحاث .
بزغ نجمه في بلده والعالم ونال العديد من الجوائز التقديرية الكبرى لكنه لم يحصل على جائزة نوبل وإن كان عديدون حصلوا عليها بناء على اعمال مبنية على أبحاثه وآخرها عام ٢٠٠١ والتي حصل عليها كارل وايمان بناء على دراساته على تكاثف بوز آينشتاين. 
كما لم يحصل بوز على شهادة الدكتوراة رغم مساهماته الكثيفة في علم الفيزياء .. لعله ليرسل لنا رسالة أن التعلم أهم من الشهادة ..
نأتي إلى الإجابة على سؤالنا كيف تمت تسمية جسيم هيجز بالبوزون ..
اطلق ديراك مسمى البوزونات على الجسيمات ذات العدد الصحيح للغزل والتدوير وتخضع لإحصاء بوز-آينشتاين
مثل الفوتونات والقلونات ..
وأطلق مسمى الفرميونات ( تبعالأنريكو فيرمي) على الجسيمات ذات نصف العدد الصحيح للغزل أو التدوير وتخضع لإحصاء فيرمي- ديراك
تنمية حب التعلم والشغف والفضول العلمي لدى المتعلمين والمتعلمات في المدارس يعتبر هو حجر الزاوية في بناء قدرات علمية ماكنه يمكنها إن تضيف شيئا مهما إلى المعرفة العلمية العالمية وتؤثر في إثراء مجتمع المعرفة والابتكار .
التركيز على النخبوية في البرامج التي تستهدف طلابا في مدارس خاصة ذات مستويات مادية معينة لا يصنع الفرق . ربما يكون عالم المستقبل منزو في إحدى القرى ومنكبا على كتبه ينتظر ( آينشتاين) لكي يلفت إليه الأنظار .
                                            
 شاكر  الشريف

الاثنين، 14 مايو 2018

المعلم في العام ٢٠٣٠







المعلم في العام ٢٠٣٠ 

       يبقى المعلم هو حجر الزاوية في العملية التعليمية وكل تطوير مهما صرفت عليه من أموال إذا لم يكن تطوير المعلم وتعزيز دوره في قلب جهوده وصلب اهتمامه .. فما هو إلا حصاد الريح ..لكن مع التطور التكنولوجي الهائل تبرز مجموعة من الأسئلة العميقة:
·   هل سيبقى دور المعلم كما هو أم تعصف به رياح التقنيات المتقدمة ؟
·   هل يحتاج المعلم إلى (إعادة اختراع):دوره، ووظيفته، ومهامه، وممارساته، أم يظل يتحرك في دوائر (التقليدي) ؟
·   هل سيبقى المعلم (مقاس واحد يناسب الجميع) ؟
·   هل يبقى الفصل الدراسي التقليدي هو المصدر الأساسي للتعلم ؟
·   هل نحتاج إلى معلم واحد أو فريق من (المعلمين والمختصين) لتقديم محتوى متقدم ؟


     إذا كان متعلم الغد سيضع عصابةً على رأسه تلتقط إشارات دماغه وتحولها إلى قوقل ( Google ) لتمكنه من البحث عما يدور في دماغه من أسعار الصرف إلى حلول لمعادلات "شرودنجر" وسيتمكن المتعلم عن بعد من تنفيذ تجارب في الفيزياء والكيمياء وتسجيل النتائج وفحص الأخطاء كما لو كان يمارس ذلك في المختبر.
     الحقيقة أنه مع تقدم تقنيات الذكاء الصناعي والتعلم المفتوح وتقنيات الواقع الافتراضي المعزز والبيانات الكبرى سيُصبِح الدور التقليدي للمعلم محاصراً ..بل إن المدرسة ودورها لابد له من إعادة اختراع ، فهل ستبقى المدرسة التقليدية أم هي بسبيلها إلى الانقراض؟
دور المعلم الجديد سوف يقوم به حزمة من المعلمين الخبراء والمختصين في مجالات متعددة: 
·   (خبير المحتوى) الذي يهتم بتطوير المنهج سريع التغير ..
·   (قادة المجموعات) الذين يوفرون تدريساً مباشراً لموضوعات محددة ينتقل بعدها المتعلم إلى التعلم عن بعد ..
·   (مصممي المشروعات) الذين يوفرون تجربة شبيهة بالواقع لخبرة تعليمية ثرية عن بعد
·   (المقومون) الذين يقومون بفحص تعيينات الطلاب واستجاباتهم وتقديم تغذية سريعة لخبراء المنهج والمحتوى وتصميم فرص تقويم تعلم ثرية والتعامل مع البيانات الضخمة الناتجة من رصد أداءات الطلاب واستخدام الذكاء الصناعي لتعديل استجابات النظام لتفضيلات المتعلمين وتفريد تعلمهم.
·   (خبراء البيانات الكبرى) الذين سيكون دورهم مهما في التعامل مع البيانات الهائلة للمتعلمين وتحويلها إلى شيء ذي معنى يخدم تطوير فاعلية العملية التعليمية ..
·   (المرشدون والأدلاء) الذين يقدمون الحكمة والخبرة الناضجة للمعلمين والمتعلمين ويوفرون التوجيه ورأس المال الاجتماعي.

الحقيقة أن المستقبل يفرض علينا فحصاً معمقاً لقدراتنا البشرية والمؤسسية للاستجابة الفاعلة والسريعة لهذه المتغيرات 
شاكر الشريف