الاثنين، 28 يناير 2019

لماذا نحتاج إلى مشاريع كبرى لإحداث تحولات كبرى في الإبداع والابتكار والتقنية والمعرفة العلمية ..

قد يستغرب البعض حجم الإنفاق الضخم على المشاريع العلمية في الغرب وبعض دول الشرق مثل روسيا واليابان والصين بل وحتى باكستان التي صنعت مشروعها الكبير (القنبلة النووية الإسلامية ) ..  ويتسائلون ؛ هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟ وهذه الميزانيات؟  بدءاً بمشروع منهاتن لصناعة القنبلة النووية ومروراً بمشروع سبوتنك ومشروع أبوللو و مشروع سيرن الضخم وانتهاء بمشروع استكشاف المريخ الذي كان آخر أدواته مسبار إنسايت الذي هبط على المريخ قبل أكثر من شهر في الوقت الذي تخطط فيه الصين لإنشاء معجل أكبر بثلاث مرات من معجل سيرن وأرسال مركبات مأهولة للمريخ  ينفق الغرب والدول المتقدمة بسخاء على المشاريع العلمية الاستكشافية الكبرى  .. 
ليكون لدينا تصور عن حجم هذا الإنفاق يكفي أن نعلم أن الميزانية السنوية لمعجل سيرن مليار دولار  وأن تكلفة تجربة اكتشاف الهيجز بوزون بلغت أكثر من ١٣,٥مليار دولار بدأ من عام ٢٠٠٨ حين بدأ تشغيل معجل الهيدرونات الكبير وتوقفه للإصلاح في عام ٢٠٠٩ وحتى ٢٠١٢ حين تم اكتشاف الهيجز بوزون بحسب مجلة فوربس 
بينما يرى آخرون أن التكلفة الإجمالية  للبناء والتصميم والمصاريف التشغيلية من بدايته كفكرة حتى أصبح حقيقة واقعة قد تربو على ٥٠ مليار دولار تتحمل ألمانيا القسط الأعظم من هذه التكاليف الذي قد يصل إلى ٧٠٪؜ .. في الوقت الذي تستعد أوروبا لتوسيع المصادم الكبير ليبلغ ثلاثة أمثال طوله الحالي البالغ ٢٧ كيلو مترا  في ما بات يعرف بتجربة القرن FCC (مصادم المستقبل الدائري) .
Image result for cern
يعمل في سيرن حاليا حوالي عشرة آلاف بين عالم ومهندس وإداري ثلاثة آلاف منهم موظفون ثابتون تتحمل تكاليفهم منظمة سيرن  أما البقية فتتكفل برواتبهم مؤسسات أو جامعات خارج سيرن وكثير منهم طلبة دكتوراة وباحثون غير متفرغين وطلبة ما بعد الدكتوراة من كثير من دول العالم .. 
في October 4, 1957  تناقلت وكالات الأنباء خبرا كان كوقع الصاعقة على الشعب الأمريكي يحكي نجاح الاتحاد السوفيتي في إطلاق أول قمر صناعي (سبوتنيك ) للفضاء الخارجي  وبعدها بمدة قصيرة ، إرسال أول مركبة مأهولة للفضاء الخارجي .. 
أشعل هذا الحدث روح المنافسة والتحدي بل والخوف الأمريكي من قدرة الاتحاد السوفييتي على امتلاك تقنية الصواريخ بعيدة المدى التي يمكن أن تحمل رؤوسا نووية تستهدف الأراضي الأمريكية مما أعطى قوة دافعة للأصوات التي كانت تنادي بإصلاح جذري للتعليم الأمريكي في مجالات العلوم والرياضيات والهندسة 
بدأت عدة مشروعات ضخمة  وأنشئت وكالة للفضاء في July 29, 1958 وبدأت معها مشاريع كبرى طموحة لغزو الفضاء الخارجي وإنزال أول إنسان على سطح القمر  وفِي نفس الوقت بدأت عمليات إصلاح كبرى للتعليم والاهتمام بتطوير تعليم وتعلم الرياضيات والعلوم والهندسة
تراوحت نسبة ميزانية وكالة ناسا من الميزانية الفيدرالية من 0.1 % حين إنشائها إلى4.41% من الميزانية الأمريكية في ذروة مشروع أبوللو  وانخفضت النسبة مع السنوات حتى أصبحت أقل من 1% بحيث أصبحت الميزانية المقدرة لوكالة ناسا 20.736 مليار دولار  في العام 2018 خصما من ميزانية فيدرالية حجمها تقريبا 4 ترليون دولار ويبلغ ماتم صرفة على وكالة الفضاء الأمريكية منذ إنشائها أكثر من601 مليار دولار أي ما يعادل 2.25 ترليون ريال .. 
تستدعي أمريكا هذه المشاريع الكبرى كلما شعرت بضعف نظامها التعليمي في مواجهة منافسة متجددة وقوية من دول وبلدان أخرى مثل الصين وروسيا أو ظهور منافسين جدد ..وضغوط متطلبات الفوز في سباق التنافسية الشرس .. 
في عام ٢٠٠٧ صدر التقرير العلمي الرئاسي " فوق هام العواصف "  "Rising Above the Gathering Storm: Energizing and Employing America for a Brighter Economic Future " 
عن عن حال العلوم والتقنية في أمريكا ووضع التقرير أجندة واستراتيجية وطنية لمستقبل اقتصادي مشرق  والذي شارك في إعداده عدد من كبار العلماء والحائزين على جائزة نوبل وخبراء ورؤساء بعض الجامعات الشهيرة والرؤساء التنفيذيين لشركات صناعية وتقنية كبرى  .. 
وكان من أهم توصياته : المناداة بمشروع تحدي بمستوى رئاسي  يعيد بث روح جديدة ويوجه الطاقات والموارد ويشعل الخيال الوطني  مثل مشروع أبولو أو سبوتنيك أو مشروع منهاتن جديد .. 
حتى باكستان التي أشعل تفجير الهند لقنبلتها النووية فتيل الحماس الوطني والإبداع والابتكار والذي ينفخ في أواره ويبقي جذوة ناره متقدة الشعور بالتهديد حتى أصبحت سادس أكبر قوة نووية في العالم وأحد الدول التي لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة التي تصنع صواريخ كروز التي يمكن اطلاقها من غواصات تحت البحر .. 
حشد القدرات والطاقات حول المشاريع الكبرى له فوائد لا تعد ولا تحصى .. 
ومن ذلك بناء القدرات العلمية الوطنية فتلاميذ عبد السلام عالم الفيزياء الشهير
Image result for salam pic physics cern

 والذين كانو النواة الصلبة لمشروع باكستان النووي الذي قاد فتوحات علمية وتقنية من أمثال رياض الدين وفياض الدين ومسعود أحمد وغيرهم أصبحوا من أشهر العلماء على مستوى العالم .. 
هذه المشروعات لا تحقق هدفها الأساسي فقط ولكنها تجر وراءها جيشا من الفوائد والإنجازات المتوقعة بل وغير المتوقعة .. 
كم هي المخترعات والأفكار والأبحاث والمعرفة العلمية في طيف متنوع من المجالات  مثل الطب والهندسة والعلوم والتقنيات المتقدمة التي نتجت عن مشروع أبوللو أومشروع سيرن أو مشروع سبوتنيك أو مشروع توكاماك أو غيرها من المشاريع الكبرى .. 
كم نحن بحاجة لمثل هذه المشاريع التي تحتشد حولها الطاقات ويتم من خلالها بناء القدرات المتقدمة وتكون بمثابة تفاعل انشطار يولد العلم والمعرفة الصلبة والتقنيات المتقدمة .. ولنا في غيرنا عبرة وآية 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق