السبت، 21 سبتمبر 2019

صناعة القهوة وصناعة التعليم


صناعة القهوة وصناعة التعليم

بقلم : شاكر الشريف 

اعتدت أن أحتسي قهوتي المحببة في أحد سلاسل المقاهي المنتشرة في مدينتي الجميلة الرياض .
تناول القهوة في أحد مقاهي تلك السلسلة تجربة غنية وثرية يتم فيها تقديم القهوة بنفس نكهتها وطعمها المحبب وجودة مكوناتها في كل مواقع السلسلة وفِي نفس البيئة الجاذبة ومن خلال خدمة تتميز بالمهنية والاحتراف ولكن ولأسباب مختلفة أضطر أحيانا لاحتساء قهوتي في عدد من مقاهي سلسلة أخري من سلاسل المقاهي المنتشرة وسرعان ما اكتشف الفرق : هناك تباين واضح في تقديم الخدمة بين مقاهي السلسلة باختلاف المواقع .  تباين في البيئة والتصميم وفِي طريقة التقديم ومهنية واحتراف العاملين ثم أخيرا في نوعية وطعم ونكهة المنتج الذي يحمل نفس المسمى في كل المقاهي. وطالما طرحت على نفسي السؤال التالي : ترا ما السبب في كل هذا التباين والاختلاف في تقديم الخدمة و جودة المنتج بين مقاهي السلسلة الأخيرة والاتساق في تقديم الخدمة وجودة المنتج بين مقاهي السلسلة الأولى.  
لن يطول بك عناء حتى تدرك أن السبب وراء ذلك كله هو وجود معايير دقيقة وواضحة ومتسقة ومنشورة يتم فحص تطبيقها والالتزام بها تنتظم كل مكونات الخدمة من البيئة الجاذبة وطريقة التقديم وأسلوب التعامل مع الزبائن وجودة المنتج وسلاسل الإمداد البشري والمادي والنظام الذي يحتضن ذلك كله وفِي  كل المواقع وفِي كل الأوقات بدون تمييز بناء على الوضع الاقتصادي الاجتماعي أو الموقع الجغرافي.
هذا يجرنا لقضيتنا الأهم؛ التعليم. لابد من موائمة معايير واعتمادها على كل مستويات النظام التعليمي يمكن من خلالها تقديم التعليم النوعي للجميع ..  هذه المعايير تصبح أساسا للجودة والاستدامة وتصبح أساسا للحوكمة والمحاسبية .. وتصبح أساسا للتطوير والتحسين
هذه الحزمة من المعايير تنتظم المحتوى والتدريس والمنهج  والتقويم و اختيار المعلمين وبرامج تطويرهم وفوق ذلك كله معايير للنظام التعليمي الداعم والميسر والمسهل لتقديم تعليم نوعي توزع فيه فرص التعلم الغنية والثرية بالتساوي وفي بيئة جاذبة ومحفزة عبر طيف النظام التعليمي في كل مواقع تقديم الخدمة التعليمية باتساع الجغرافيا والتنوع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وفِي إطار من الشفافية والوضوح ..
الاختلاف والتباين في تقديم الخدمة وطريقة الحكم على جودتها وبالتالي التباين الشديد في جودة مخرجاتها يعكس خللا جوهريا  في النظام التعليمي ككل ..
يتميز النظام التعليمي الفنلندي بميزة مهمة قلما يتفطن لها الذين يقفون عليه لاستجلاء تجربته والاستفادة منها
ألغت فنلندا تقسيم الطلاب إلى مسارات حسب قدراتهم عام ١٩٨٠م .. فنلندا هي صاحبة أقل فجوة في الأداء بين طلاب الفصل الواحد وطلاب المدرسة الواحدة والمدارس المتعددة في المنطقة وطلاب المناطق المختلفة في الدولة وهذه الميزة تعكس المقاربة النظمية للتطوير ..
لابد من تطوير  مقياس معتمد لفحص التباين في تقديم الخدمة التعليمية بين كل مدرسة وأخرى ومنطقة وأخرى .. يشبه مقياس جيني ( Gini index ).
الاختبارات واسعة النطاق ضرورية لقياس الفجوة في الأداء بين الطلاب في كل المدارس وكل المناطق ..

بدون اختبارات واسعة النطاق لن يكون هناك فحص موثوق ومعتمد وصادق وعادل لأداء الطلاب عبر النظام التعليمي ككل وتصبح كل المقاربات والتدخلات لإصلاح التعليم غير ذات جدوى ويصبح متخذ القرار التعليمي كمن يحرث في البحر

تصبح بعض النقاط خلال السلم التعليمي نقاطا للتفقد يمكن للمخطط ومتخذ القرار التعليمي أن يستشعر مدى نجاعة وفعالية المقاربات والتدخلات التطويرية .. 

يتبقى هناك نقطة وحيدة ومهمة جدا ليؤتي التغيير والتطوير أكله ألا وهي الشفافية ..

كيف نضمن تدفق البيانات الصحيحة والصادقة والشفافة عن حال التعليم في كل وقت عن كل المواقع إلى متخذ القرار ..ثم كيف نطور نموذجا فعالا ودقيقا لقراءة هذه البيانات وتفسيرها بدون تحيز ..

أظن أن حجر الزاوية في ذلك هو انتشار ثقافة الشفافية والصدق والصراحة خلال النظام .. انتشار ثقافة  التعتيم وعدم الإفصاح لكسب رضى المسؤول تضع العصى في دولاب عجلة التطوير وتتسبب في انقلاب مركبته ..

وهكذا فإن ‏المعايير تقود التقويم والتقويم يقود التدريس والتدريس يقود التعلم وكل ذلك ينبغي أن يكون في إطار من الشفافية والإفصاح والمقاربة النظمية .

تعليم نوعي للجميع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق